في عصر يتزايد فيه الاعتماد على التكنولوجيا لتعزيز الإنتاجية، أصبح الذكاء الاصطناعي أحد الأدوات الأساسية التي يعتمد عليها كبار المدراء التنفيذيين لتنظيم سير العمل والتخفيف من ضغوط البريد الإلكتروني المتكدس.
يُعدّ البريد الإلكتروني واحدًا من أبرز التحديات اليومية التي تواجه المدراء، حيث يستهلك جزءًا كبيرًا من وقتهم ويشتت تركيزهم عن المهام الاستراتيجية. ووسط هذه الضغوط المتزايدة، بات الذكاء الاصطناعي يقدم حلولًا مبتكرة للمساعدة في إدارة البريد الإلكتروني، مما يسمح لهؤلاء المدراء بالتركيز بشكل أكبر على اتخاذ قرارات استراتيجية والتفاعل مع القضايا الأكثر أهمية.
التقدم في هذا المجال ليس محصورًا فقط في جوانب التكنولوجيا، بل يعكس تطورًا شاملًا في الفكر الإداري الحديث. فوفقًا لأبحاث أجرتها مؤسسة “غارتنر”، يستخدم ثلاثة أرباع المديرين التنفيذيين تقنيات الذكاء الاصطناعي في وظائفهم بشكل منتظم، ويؤمن 87 بالمئة منهم بأن فوائد الذكاء الاصطناعي تفوق مخاطره. لذا، يبدو أن الذكاء الاصطناعي أصبح جزءًا لا يتجزأ من استراتيجية قادة الأعمال في تطوير نهج أكثر فعالية لتنظيم الوقت والموارد.
أمثلة تطبيقات الذكاء الاصطناعي لإدارة البريد الإلكتروني تتجسد في شخصيات معروفة، مثل تيم كوك، الرئيس التنفيذي لشركة أبل، الذي بات يعتمد على ميزة “Apple Intelligence” الجديدة لتلخيص رسائله الواردة، بينما يستخدم المستثمر مارك كوبان أدوات غوغل الذكية لتسهيل الردود الروتينية. هذه الأدوات لا توفر الوقت فحسب، بل تتيح لهؤلاء القادة فرصة لإعادة تخصيص مواردهم نحو أهداف تتجاوز الروتين اليومي وتصب في جوهر الأداء الاستراتيجي لأعمالهم.
وقد لجأ عدد من أبرز قادة الأعمال في العالم إلى الذكاء الاصطناعي للتعامل مع إحدى الإزعاجات اليومية في العمل، ألا وهي صندوق البريد الإلكتروني المتكدس. فعلى سبيل المثال، يقوم تيم كوك، الرئيس التنفيذي لشركة أبل، بتفقد بريده الإلكتروني وتقارير المبيعات الليلية على هاتفه الآيفون في الصباح الباكر. وفي تصريح له لـ “وول ستريت جورنال”، أشار كوك إلى أنه كان يقرأ جميع رسائل البريد الإلكتروني، بما في ذلك ردود العملاء، إلا أن هذا الأمر كان مرهقًا للغاية، خاصة أنه يتلقى حوالي 800 رسالة يوميًا.
حاليًا، يعتمد كوك، البالغ من العمر 64 عامًا، على ملخصات البريد الواردة من خدمة “Apple Intelligence”، حيث تظهر هذه الملخصات تلقائيًا أسفل الرسائل في تطبيق البريد. وقد قال كوك: “إذا تمكنت من توفير بعض الوقت هنا وهناك، فإنه يتحول إلى شيء ملموس على مدار اليوم والأسبوع والشهر”. وأضاف أن هذه التقنية غيرت من إنتاجيته وعاداته اليومية، واصفًا إياها بأنها “غيرت حياته بشكل كبير.”
من ناحية أخرى، يعتمد الملياردير مارك كوبان على أداة ذكاء اصطناعي مختلفة لإدارة بريده الإلكتروني، وهي المساعد الذكي “Gemini” من غوغل. وأوضح كوبان، الذي تلقى آلاف الرسائل يوميًا، أن العديد منها متكرر، مشيرًا إلى أن استخدامه لميزة الردود المقترحة من Gemini قد اختصر عليه الوقت بشكل كبير، مما يتيح له مراجعة الردود الجاهزة بسرعة، بدلاً من كتابة الردود من البداية.
ومع إدارة الذكاء الاصطناعي لرسائله، بات بإمكان كوبان تخصيص وقت أكبر للمهام الاستراتيجية، مما ساعده على تحسين إنتاجيته وفعاليته كقائد.
تنظيم البريد الإلكتروني
يقول خبير التطوير التكنولوجي، هشام الناطور، لموقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية”:
- الذكاء الاصطناعي يدخل في جميع مجالات الحياة هذه الأيام، بما في ذلك إدارة البريد الإلكتروني؛ إذ يمكن للذكاء الاصطناعي تحسين تنظيمه وجعله أكثر فاعلية وسهولة من خلال عدة أساليب.
- من بين تلك الأساليب على سبيل المثال التصنيف التلقائي للرسائل الواردة، فبفضل خوارزميات تعلم الآلة، يمكن للذكاء الاصطناعي تصنيف البريد الوارد إلى فئات مثل الرسائل الهامة، وغير الهامة، والتسويقية، ورسائل مواقع التواصل الاجتماعي، بالإضافة إلى العروض على المنتجات. تسههم هذه الخوارزميات في ترتيب الرسائل وتوجيه المستخدم إلى ما هو أكثر أهمية.
- نرى مؤخرًا عمليات تطوير الفلترة الذكية للبريد الإلكتروني باستخدام الذكاء الاصطناعي ببطء، بحيث يتمكن النظام من اكتشاف الرسائل غير المرغوب فيها (السبام) بناءً على تحليل سجل الرسائل السابقة ومعرفة الرسائل التي يهتم بها المستخدم أو يتجاهلها.
- على سبيل المثال، إذا كانت رسالة معينة تصل إلى المستخدم دون أن يفتحها أو يتفاعل معها، يستطيع الذكاء الاصطناعي التعرف على أن هذه الرسالة غير مهمة، فيقوم بتصنيفها على هذا الأساس. كما يستطيع التعرف على الرسائل المهمة بناءً على سلوك المستخدم، مثل تمييز الرسائل بنجمة أو وسمها كمهمة.
- إضافةً إلى ذلك، يمكن للذكاء الاصطناعي التعرف على الأشخاص أو المواضيع ذات الأولوية بناءً على تفاعلات المستخدم السابقة؛ حيث يقوم بفرز الرسائل الواردة من الأشخاص الحقيقيين ويفرق بينها وبين الردود الآلية.
ويضيف: هناك أيضًا ميزة الردود الذكية؛ حيث تقترح بعض الأنظمة المدعومة بالذكاء الاصطناعي ردودًا تلقائية تتناسب مع محتوى الرسالة، كما يمكنها إكمال الجمل أثناء كتابة الرد، مثلما يحدث في Gmail عندما نقوم بكتابة رسالة، حيث يقترح النظام كلمات أو يكمل الجمل. هذه ميزة بسيطة لاستخدام الذكاء الاصطناعي، لكنها تسهم في جعل الردود أكثر كفاءة وسرعة.
وبالإضافة إلى ذلك، يسهل الذكاء الاصطناعي البحث داخل البريد الإلكتروني؛ فيستطيع المستخدم البحث والوصول إلى الرسائل القديمة بسهولة من خلال معالجة اللغة الطبيعية. فعلى سبيل المثال، يمكن لشخص يبحث عن بريد إلكتروني معين وصله قبل سنوات، لكنه ينسى محتوى الرسالة بالكامل، أن يجد الرسائل ذات الصلة بموضوع معين باستخدام كلمات مفتاحية عامة.
ويستطرد: كما يمكن للبريد الإلكتروني المدعوم بالذكاء الاصطناعي تنظيم الاجتماعات وتوفير المتابعة التلقائية للرسائل، مثل إرسال تذكيرات أو متابعة تلقائية للرسائل التي تحتاج إلى ردود. هذا التطور يمثل نقلة نوعية في دمج الذكاء الاصطناعي مع البريد الإلكتروني، مما يسهم في تحسين الإنتاجية، وسينعكس مستقبلاً في توفير أدوات إضافية لتلبية احتياجات الأعمال وتنظيم وقت رجال الأعمال وطريقة تعاملهم مع البريد الالكتروني.
ستة أوجه رئيسية
ويقول المستشار الأكاديمي في جامعة سان خوسيه الحكومية في كاليفورنيا، أحمد بانافع، في تصريحات خاصة لموقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية”: يُعد الذكاء الاصطناعي أداة فعّالة لتنظيم البريد الإلكتروني وإدارته بطرق تساعد على تقليل الوقت المستهلك في مراجعة الرسائل الواردة. يمكن أن يتم ذلك من خلال عدة تقنيات متقدمة تعمل على تصنيف وترتيب الرسائل بشكل ذكي ، من خلال:
أولاً: التصنيف التلقائي للرسائل
يستخدم الذكاء الاصطناعي خوارزميات تعلم الآلة لتصنيف الرسائل فور وصولها إلى صندوق البريد. يتم تقسيم الرسائل إلى فئات رئيسية مثل “الرسائل المهمة”، “التسويق”، “العمل”، و”البريد غير المرغوب فيه”. وبهذا، يصبح بإمكان المستخدم التمييز بسهولة بين الرسائل التي تحتاج اهتمامًا فوريًا وتلك التي يمكن تأجيلها أو تجاهلها، مما يقلل من التشتيت ويعزز التركيز على ما هو أكثر أهمية.
ثانياً: التصفية الذكية للبريد غير المرغوب فيه
الذكاء الاصطناعي قادر على تحليل محتوى الرسائل وتحديد ما إذا كانت تتضمن محتوى تسويقي أو مواد مزعجة (Spam) ووضعها في مجلد منفصل خاص بالرسائل غير المرغوب فيها. هذا يقلل من فوضى البريد الوارد ويضمن عدم انشغال المستخدم برسائل لا تهمه، حيث تتعلم الأنظمة الذكية هذه الأنماط باستمرار لتحسين دقة التصفية بمرور الوق.
ثالثاً: الردود التلقائية
يمكن للذكاء الاصطناعي أن يُنشئ ردوداً تلقائية على الرسائل التي تتطلب ردوداً بسيطة وسريعة، مثل “شكرًا على الرسالة” أو “سأتواصل معك لاحقًا”. هذه الميزة تساعد المستخدم على توفير الوقت وتجنب تراكم الرسائل التي تحتاج إلى إجابة، لا سيما عند التعامل مع رسائل مشابهة بشكل متكرر.
رابعاً: التذكيرات الذكية وجدولة المواعيد
إذا كانت الرسائل تحتوي على مواعيد أو مواعيد نهائية أو مهام يجب تنفيذها، يستطيع الذكاء الاصطناعي اكتشاف هذه التواريخ وتذكير المستخدم بها في الوقت المناسب. على سبيل المثال، قد يقوم الذكاء الاصطناعي بتمييز دعوة اجتماع أو موعد تسليم مهمة وإضافته مباشرةً إلى تقويم المستخدم. هذا يضمن عدم تفويت المواعيد الهامة ويخفف من عبء التنظيم اليدوي.
خامساً: الفرز حسب الأهمية
الذكاء الاصطناعي قادر على تقدير أهمية الرسالة بناءً على عدة عوامل، مثل هوية المرسل أو الكلمات الرئيسية الواردة في الرسالة. مثلاً، الرسائل من رئيس العمل أو الزملاء قد تُصنف تلقائيًا على أنها مهمة وتُعرض في مقدمة صندوق الوارد. هذا يساعد المستخدم على التركيز على الرسائل الأكثر أهمية وتجنب الرسائل ذات الأولوية الأقل.
سادساً: البحث الذكي
توفر تقنيات الذكاء الاصطناعي أدوات بحث متقدمة تسهل العثور على رسائل معينة بسرعة ودقة باستخدام كلمات رئيسية أو تفاصيل موضوعية. لا يحتاج المستخدم للبحث اليدوي بين الرسائل بل يمكنه ببساطة كتابة كلمة مفتاحية تتعلق بالمحتوى المطلوب، ليجد الرسائل التي يحتاجها مباشرة، مما يوفر الكثير من الوقت والجهد.
ويشدد على أن هذه الأدوات الذكيةتسهم في جعل البريد الإلكتروني أكثر تنظيمًا وتقلل من الوقت والجهد المبذولين في فرز وتصفح الرسائل، موضحاً أنه بفضل هذه الميزات، يصبح المستخدم أكثر إنتاجية ويستطيع التركيز على المهام الهامة بدلًا من الانشغال بتنظيم رسائله يدويا.